عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :" قال رجل : لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق على سارق، فقال : اللهم لك الحمد !، لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي زانية، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق الليلة على زانية، فقال : اللهم لك الحمد على زانية !، لأتصدقنّ بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يدي غني، فأصبحوا يتحدثون : تُصُدِّق على غني، فقال : اللهم لك الحمد على سارق وعلى زانية وعلى غني !، فأُتي فقيل له : أما صدقتك على سارق، فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية، فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ".متفق عليه .
✿-----✿---✿-----✿
••ღ تفاصيل القصّة ღ••
النيّة والصدقة، تربطهما علاقةٌ وطيدة، تجعل من " النيّة " سبباً في قبول " الصدقة " عند الله تعالى، حتى لو لم تقع في مكانها الصحيح .
والحديث جاء مطمئناً ومبشّراً لكل من ينفق ولا يصل ماله إلى مستحقّيه بأن الله تعالى لن يضيع أجره ما دامت نيته صحيحه.
والقصّة تدور حول رجل صالح في غابر الزمان حيث أنه في ليلةٍ ما عزم على أن يتصدّق بصدقة لا يعلم عنها إلا علاّم الغيوب، فخرج مستتراً بظلام الليل، يبحث عن محتاج ، فوجد في طريقه فقيراً تبدو عليه معاني البؤس والحاجة، فسارع إلى دفع المال إليه ثم استدار مبتعداً عنه، حفاظاً على مشاعره وأحاسيسه .
وأصبح الرّجل الصالح راضياً بما قام به في الليلة السابقة، يرى بعين الخيال فرحة الفقير بالمال وهو بين أهله، وبينما هو غارقٌ في أفكاره إذا بالأخبار تصله أن رجلاً قد تصدّق على سارقٍ البارحة، فعلم أنه المقصود بذلك، فراودته مشاعر مختلطة من خيبة الأمل والحسرة على عدم تحقّق مراده وضياع صدقته، إلا أنّه حمد الله على كلّ حالٍ فقال :"اللهم لك الحمد على سارق ".
وعندما جاء الليل قرّر أن يصحّح خطأه، ويضع الصدقة في موضعها، فخرج من بيته باحثاَ عن محتاج، فأبصر امرأة تقف في قارعة الطريق، وتوسّم فيها الحاجة، فدفع إليها صُرّة المال ثم انصرف .
وجاء اليوم التالي يحمل الخبر الذي أزعجه، فقد وقعت صدقته في يد امرأةٍ من بائعات للهوى وباذلات الشرف، فازداد الرجل غمّاً بغمّ، وقال والألم يعصر فؤاده : "الحمد لله على زانية ".
وللمرّة الثالثة، يتكرّر المشهد، ويتصدّق الرجل ولكن هذه المرّة على غني، ليصبح والناس يتندّرون بفعله، عندها سلّم الرجل أمره لله، ورضي بقضائه وقدره، وحمَد من لا يُحمد على مكروهٍ سواه .
ولعل الرجل لم يرَ أعماله إلا في صورة الهباء الذي تذروه الرياح، ولكن رحمة الله وفضله أكبر، فجاءته الرؤيا تبشّره بقبول صدقاته الثلاثة، وتكشف عن البُعد المخبوء للحكمة الإلهيّة :"أما صدقتك على سارق، فلعله أن يستعف عن سرقته، وأما الزانية، فلعلها أن تستعف عن زناها، وأما الغني، فلعله يعتبر فينفق مما أعطاه الله ".
✿-----✿---✿-----✿
••ღ وقفات مع القصة ღ••
العمل والنيّة :قبول الأعمال عند الله يكون على قدر ما تحقّق فيها من التجرّد والإخلاص، وقد أكّد النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله :"إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ".متفق عليه .
ولنا أن نستوحي أنه ليس من المهم أن تقع الصدقة في موضعها الصحيح، إنما المهم هو حسن القصد وتصحيح النيّة، ولا يعني ذلك بالطبع الامتناع عن التحرّي في حال السائلين، وكشفِ الصادق من الكاذب، ولكنّ المذموم هو المبالغة في ذلك والتكلّف فيه .
ومن الآثار الحميدة للإخلاص أن صاحبها قد يكون سبب ساقه الله إلي الناس لتتغير أحوالهم به، فالسارق والزانية والغنيّ قد ينصلح حالهم وتحسن فعالهم، فينال المتصدّق بسببهم أجراً عظيماً .
كما جاء ذكر الرؤيا في سياق القصّة، وتُطلق على ما يراه النائم، وتكون حقّاً من عند الله تعالى بما تحمله من بشارة أو نذارة، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم :"الرؤيا الصادقة من الله".رواه البخاري .
وفي الحديث دلالةٌ على فضل التسليم بالقضاء والقدر، وحمد الله سبحانه وتعالى في جميع الأحوال اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم.
•••ღ• •ღ صفحة قلوب عامرة بذكر الله ღ• •ღ•••